الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

الرد على مقال السيد خالد البري (الكتابة عن النبي محمد) صلى الله عليه وآله وسلم



 الرد على مقال السيد خالد البري 



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..


كنت قد عرضت على موقع جريدة التحرير أن أرد على مقال السيد خالد البري المنشور يوم الثالث من ديسمبر تحت عنوان (الكتابة عن النبي محمد ) صلى الله عليه وآله بشرط أن تسمح لي الجريدة بنفس حجم المقال الذي لا يفتأ كاتبه كل أسبوع يخترع حكاية جديدة أصلها مرويات ضعيفة وغير مأخوذ بها ليضعها محل نقاش وجدال تنتشر بعده على مواقع التواصل الاجتماعي ويرد هذا ويتعصب ذاك والأمر في مجمله أبعد ما يكون عن الصواب، وبما أن الجريدة لم توافق أو بالأحرى لم ترد، لما أعتقد إنه يرجع إلى عدة اعتبارات أهمها عدم اهتمامها الكبير بتوضيح نظرية تخالف ما رمى إليه الكاتب وهو ما دأبت عليه تلك الجرائد التى تأخذ منحى فكري معين لا تسمح لغيره بالظهور . ولذا فقد قررت الرد ببعض الإسهاب حول المقال ككل بعد أن كنت مهتمة بالرد على جزئية معينة . وسوف أقتصر على ثلاث مراجع من أصل عدة مراجع حتى لا يمل القارئ ولكن مع بعض الإسهاب كما ذكرت سابقًا ؛إسهاب يناسب مقال أكثر مما يناسب بحث أكاديمي عسى الله أن يوفق أحدهم لعمل بحث يرد الشبهات و المطاعن التى يثيرها البعض حول السيرة النبوية الشريفة .

لأن الغالبية فى حالة احتقان من الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي عموما _مع تحفظي على الوصف_  فلا يوجد مانع عند البعض أن يزيد من هذا الاحتقان ليشمل أي فكر ديني ولن يتأتى الأمر إلا بتوجيه سهام خائبة لعقيدة راسخة فى النفوس نحافظ عليها ونتمسك بها وإن كان تمسكنا بها قد يحرقنا في هذه الأيام الهائجة ولكنه وعد الله ورسوله لنا فسوف يعود الدين غريبًا كما بدأ .

ولن أكون متعالية و متطرفة فأطلب من السيد خالد ورفاقه أن يهتموا بما درسوه وعملوا به ويتركوا التراث والتاريخ لأهله فله أدوات لا يُحسن لكل من كتب رواية أو مقال أن يتقنها ورجاله موجودون أحياء يرزقون يواصلون البحث والتحقيق ولكنهم للأسف لا يجيدون الشو الإعلامي مثل غيرهم مِن مَن دأب على التنقيب في روايات ضعيفة في السيرة النبوية الكريمة أو عما جرى فى الفتنة الكبرى بين الصحب الكريم فيندفع هذا ليعلق ويندفع ذاك ليسخر وما أوتوا من العلم في هذا المجال إلا قليلاً وليتهم حتى أوتوا منه النذر اليسير. و لكني سوف أنصح السيد خالد وصحبه إن آرادوا الاشتغال بالعلوم الدينية فليدرسوها أولاً ولهم في قول حجة الإسلام أبي حامد الغزالي ( على أرباب المهن والحرف أن يتركوا العلم للعلماء )

ولا أزعم إن تاريخ الأمة الإسلامية هو تاريخ ناصع البياض فلا يقل بهذا إلا أحمق وحوادث الفتن في تاريخ الأمم مشهورة ومعروفة منذ بدء الخليقة، ما يهمني فقط هو الرد على معلومات تُحرف لأغراض لا يعملها إلا الله عزَّ و جلَّ.

يُشبه السيد خالد المنتمين إلى التيار الإسلامي أو كما يطلق عليهم "الإسلامجية"؛ وهو مصطلح فضفاض لا أعرف من يقصد به بالضبط؟! هل يرمي به كل يدينون بالإسلام دينًا أم يقصد فئة معينة أظنها الأخوة السلفيين تحديدًا! سوف نرى ، المهم إنه يشبهم بكائنات فضائية عجيبة !

بعيدا عن اللغو والتشبيهات الكسيحة إن أردنا وصفها بدقة سنكمل المقال ونتغاضى عن مثل هذه الأساليب الطفولية .

يتكلم السيد خالد عن المسلمين بوصفهم أناس لا يعملون العقل ولا يقولون إلا قال الله وقال الرسول وهي جملة أخرى درامية من السيد خالد الروائي المتأثر بمسلسلات محمد صفاء عامر تحديدًا الذي اخترع هذه الجملة في مسلسلاته أبان التسعينات وكأن كل أسرة في مصر تعاني من كون أحد شبابها إرهابي! المهم يقول إننا ألغينا عقولنا تماما وبعدنا عن المنطق وهذا لعمري جهل مقيم أن يضع كل المذاهب الإسلامية في سلة واحدة ويختار لمشهده أبطال بعينهم _لا أنكر إنهم متسيدين المشهد الآن_ ويُقصى البقية رغم وجودهم أيضًا فمؤسسة الأزهر التي ينتمى لها الكثير أشعرية المذهب تُعمل المنطق فى أمورها ولكن السيد خالد لم يكلف نفسه حتى أن ينقب فى تراث السلفيين _على ما أظن _ الذي يقصدهم من غمزه  ولمزه حول الإسلامجية و يتهمهم بانغلاق الفكر، لم يرَّ مناقشاتهم أبدًا مع بقية المذاهب الإسلامية من معتزلة و أشاعرة وغيرهم حول أمور كثيرة ليس أهمها مثلا إعمال العقل في النص والاجتهاد و الأخذ من فلسفة الأقدمين والمنطق الأرسطي في التفكير وأمور لن أبالغ إن قلت أن السيد خالد لم يقرأ عنها حرفًا و لن يستوعبها عقله .ولكني أعذره فمن يمثل الإسلام حاليًا فى الفضائيات أمثال وجدي غنيم و محمود شعبان "هاتولى راجل" فلا عجب أن يتقول علينا البعض بكل ما هو غير صحيح ، ومن يهن عليه دينه لا ينتظر من غيره أن يذب عنه افتراءات وضلالات تنخر في عقول شباب مسكين لم يقرأ حرفًا عن تاريخه سوى من ملاحظات الأخوة الفيسبوكيين، وكما قيل فرط المسلمون في التليد وأفرطوا في التقليد .

نأتي لبيت القصيد : يروج خالد البري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان فقيرًا ومن عائلة ذهب حسبها القديم وهي معلومات لا أعرف من أين استقاها ؟ أعتقد أنه قرأ وأخطأ في فهم ما قرأه فالنبي صلى الله عليه وآله لم يكن فقيرًا وأشدد هنا على أن الفقر ليس عيبًا وليس تهمة ننفيها ولكن معلومة خاطئة وجب تصحيحها وردي عليه الآتى :

يستقى أغلب المنقبون في السيرة النبوية الشريفة معلوماتهم من سيرة ابن هشام وهي بدورها مأخوذة عن سيرة ابن اسحق المفقودة و ابن اسحق عاش في الدولة العباسية في عهد أبي جعفر المنصور و توفى 152 هجرية أي منتصف القرن الثاني وابن هشام توفى 213 هجرية أي أوائل القرن الثالث أى إننا نعتمد على كتاب تم تدوينه بعد ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله بحوالى 250 عام و مفقود حاليًا.

يقول البري في معرض حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه (النبى محمد ولد فى ظل ظروف اجتماعية وطبقية مضنية. ولد فى بيت لم تبق له من الثروة والجاه ما يغرى مرضعة كحليمة السعدية بقبوله. ولولا أنها لم تجد رُضَّعًا آخرين وكرهت هى وزوجها أن يعودا بخُفَّى حُنين ما رجعت إلى بيت عبد المطلب لكى تأخذه.

ولد يتيمًا فى ظل بيت تراجع اجتماعيا مع نمو أبناء عمومته من بنى عبد الدار أهل الفروسية، وبنى أمية أهل المال، واقتصار وظيفة بنى هاشم على الرفادة والسقاية للحجيج. ولم يكن له من المال الكثير. وظل حتى سن الخامسة والعشرين- وهى سن متأخرة جدا فى ذلك الوقت- لم يتزوج. وحين تزوج تزوج من امرأة تكبره بخمسة عشر عاما، هى التى خطبتْه. وقد اعترض أبوها على الخِطبة حينما أفاق فى اليوم التالى، على ما تقول بعض الروايات، فوقفت فى وجهه)

مضنية هنا كلمة تستحق الرثاء لكاتبها فالهاشمي العدناني صلى الله عليه وآله ولد حفيدًا لسيد قريش عبد المطلب في حياته وعبد المطلب هذا سيد الرفادة والسقاية ولمن لا يعرف معنى أن تكون سيد الرفادة والسقاية فهذا يعني أن يأتي العرب من كل فج من الجزيرة العربية يجدون مأكل ومشرب مجاني وحماية يسبغها عليهم من شرفه الله بسقاية ورفادة البيت الحرام ولا نعرف رجل فقيرًا حالته المادية مضنية يفعل هذا !! وكانت قريش تسمى عبد المطلب الفيض لسماحته وفضله .

ومن أين ورث عبد المطلب السقاية والرفادة ؟ ورثها من أبيه هاشم الذي يقول فيه ابن هشام نقلاً عن ابن اسحق كان رجلا موسرا فكان فيما يزعمون إذا حضر الحاج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله وحجاج بيته وهم ضيف  الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه فأجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعامًا أيامهم هذه التي لابد لهم من الإقامة بها، فإنه و الله لو كان مالي يسع لذلك ماكلفتكموه"

وكان أول من سن الرحلتين لقريش رحلتي الشتاء والصيف وأول من أطعم الثريد بمكة وهشمه للحجاج فسموه هاشم .

وأخو هاشم المطلب الذي ربى عبد المطلب قيل فى رثاء المطلب هذا

قد ظمئ الحجيج بعد المطلب ... بعد الجفان والشراب المنثعب

ليت قريشا بعده على نصب

أى أن الحجيج بعد وفاته سوف يظمأون بعد أن كان الشراب كثيرا كالسيل وليت قريشا تحذو نفس الحذو بعده

ثم ولي الأمر عبد المطلب فأقام للناس السقاية والرفادة وأقام لقومه ما كان أباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من أبائه ، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم !

هذا جد النبي صلى الله عليه وآله الذي كفله بعد وفاه أبيه وهو الرجل الذي شرف برؤيا حفر زمزم، هذا هو الرجل الفقير الذى ذبح مائة من الإبل فداء لولده عبد الله .

أما الحديث عن أن المرضعات قد رفضن رسول الله صلى الله عليه وآله ليتمه وفقره فرغم ما أسلفت من حديث عن حالة عبد المطلب المادية الجيدة جدا ولن أسهب في حديث آخر يماثله عن حالة أعمامه المادية الذي كان أحدهم وهو أبي لهب يفدي من غرم أي من تدين بدين وفي هذا شعر قاله أحدهم رد أبو لهب عنه دينه البالغ 4 آلاف دينار وأبو لهب هذا من فرح فرحًا شديدًا بولادة النبي صلى الله عليه وآله حتى أعتق جاريته ثوبية فرحًا هذا بالطبع غير شرف عائلة السيدة آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وآله قبيلة بنو زهرة بن كلاب وأبوها وهب بن عبد مناف هو سيد قومه  ولكنى سوف أتحدث عن شبهة رفض المرضعات حسب الروايتين السنية والشيعية والأخيرة لم يتطرق لها الكاتب لغرض في قلبه فقد تكلمت كتب أهل السنة والشيعة الإثنى عشرية كثيرًا في هذا الأمر ومقارنة بما سبق أن أسلفناه من حالة أهل النبي صلى الله عليه وآله المادية فالمنطق الذي يطالبنا السيد خالد بتطبيقه سوف يكون أكثر اتساقًا مع الرواية يعتمدها الشيعة عن رواية أبي الحسن البكري الشافعي الصوفي التي جاءت في كتابه "الأنوار في مولد النبي صلى الله عليه وآله" وهى تفضيل السيدة آمنة بنت وهب للسيدة حليمة السعدية بناء على بشارة تأمرها بذلك .

ولمن لا يعرف فحليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وآله وعمه حمزة بن عبد المطلب وابن عمه سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أي أنها خرجت بطفلين وليس اليتيم فقط كما يزعم البعض ويردد البعض الآخر ثم استرضعت حمزة أي ثلاث أطفال من بني عبد المطلب ولده وحفيديه وقد تكلمنا عن حالة عبد المطلب الاجتماعية قبل ذلك ! أنظر إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع للمقريزي . ثم يجب أن نطرح فكرة الإرضاع كضرورة لبني السادة من العرب وأكرر بني السادة وحتى ينشأ الطفل فى البادية بعيدًا عن الحضر يكتسب البلاغة والفروسية والصلابة ولذا مكث النبي صلى الله عليه وآله لدى حليمة 5 سنوات اكتسب بها فصاحة اللسان كما قال عندما سألوه عن كلام يتكلمه مع بعض الناس فلا يفهمه بقية الصحابة فرد صلى الله عليه وآله وسلم أدبني ربي فأحسن تأديبي ورُبيت في بني سعد ولو كان الأمر مقتصرًا على مرضعة لعاد بعد فطامه صلى الله عليه وآله بعد عامين .

وأنظر أيضاً لما جاء في سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي أن السيدة آمنة قبلت بالسيدة حليمة بناء على هاتف أخبرها ان استرضعي ابنك في بني سعد بن بكر في آل بني ذؤيب وهو ما جعل المرضعات لا يقبلن بالصغير كما رفض نبي آخر قبله كل المرضعات لحكمة إلهية حتى تأتي أمه لترضعه هي . هذا غير المرويات التي تحدثنا بسماع عبد المطلب لهاتف يأمره بنفس الأمر .

وإن أخذنا برواية ابن اسحق التي أُسيء فهمها كما أسلفت فمن أين لهؤلاء المرضعات بمعرفة نسب وحسب جده حتى يرفضن أو يقبلن ؟ فالرواية تقول أنهم أغراب قدموا مكة من بني سعد بن بكر ! ولكنه ليس جهلاً فقط بأمر الوليد بل حكمة إلهية حتى يذهب إلى حليمة السعدية تحديدًا فمن نقى هذا السلسال النبوي وطهره لقادر على اختيار ثدي طاهر لرضاعته فما يجوز لغيره لا يجوز له فهو الأمين المأمون .

أما الذي قصده كاتب المقال من ذكره لتأخر سن زواج النبي صلى الله عليه وآله وزواجه بامرأة تكبره سنًا فأرجو أن يعمل الكاتب عقله في أمرين أولهما : هل لشاب مثل محمد صلى الله عليه وآله شغل نفسه بالانقطاع والاختلاء والتأمل في الكون أن يتزوج مثل غيره وينشغل بأموره الدنيوية كالذين يماثلونه سنًا ؟! و ثانيهما هل يعلم الكاتب أن النبي صلى الله عليه وآله تعرف على السيدة خديجة لسمعته كتاجر أولاً وأنها كانت تعرف الكثير عنه من ابن عمها النصراني المتبحر في العلوم الدينية والذي أدرك أن هذا الرجل هو من تنتظره اليهود والنصارى والمجوس ! وإنها هي من طلبت الزواج به صلى الله عليه وآله وسلم .

هل يقيس الكاتب محمد صلى الله عليه وآله صاحب الدعوة التي هزت الشرق وأوقعت بدولتين عتيدتين هما فارس والروم بغيره من أهل قبيلته ؟! هل يجب أن نقارن عيسى أو يحيي أو غيرهم من الأنبياء بفلان وعلان مماثليهم في السن وقتها ؟!  فلم الاصطفاء الإلهي إن كان مثل غيره لا يتميز عنهم بشيء ؟!

وهناك مقالة عمرو بن أسعد عم السيدة خديجة رضي الله عنها فى النبي صلى الله عليه وآله عندما أتى لخطبة السيدة خديجة (هذا الفحل لا يُقدح أنفه) أي هذا الشريف لا يرد له طلب مصاهرة ونسب

و قلة مال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وقت متأخر من حياته لم تكن قلة عن فقر، بل عن بذل في سبيل الله عزَّ و جلَّ  وكرم من نبي الله ورسوله لعباد الله وخلقه ولنا في سورة الأحزاب الآية 53 عبرة قول تعالى(َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن )

كيف يدخل السائل بيته صلى الله عليه وآله وسلم ليأكل  ويشرب وصاحب البيت فقير ؟

ألم تقل الآية الكريمة في سورة الضحى ووجدك عائلاً فأغنى فالنبي صلى الله عليه وآله لم يكن عائلاً فقط لأهل بيته الكرام وإنما لجميع المسلمين لأن الآية تكمل فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر أى إنه عائل ليتيم وسائل وغيرهم !

ويجب أن يفرق أهل القبلة بين الفقر والزهد حتى لا يختلط عليهم هذا الكلام فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله كان زاهدا وليس فقيرا ما علمت برجل فقير يستدعى امرأة تساعد ابنته الحبيبة فاطمة رضي الله عنها فى أمور بيتها!

ونهاية يا سيد خالد رحمك الله ابتعد عن علوم لست لها ما دمت لم تدرسها واهتم أكثر بالرواية فهي تحتاج نظرة عطف .


الأحد، 1 ديسمبر 2013

أمين معلوف التائه صاحب الثنائيات المجهضة !




إن كنت قد قرأت لأمين معلوف فقد وفرت عليَّ جهدًا طائلاً في التعريف بالرجل وأعماله وإن كنت لم تقرأ له فشمر عن ساعديك قليلاً و اترك الفيس بوك وتويتر و التفت إلى ويكيبديا الهزيلة سوف تعطيك معلومات عنه لا بأس بها كبداية حول نشأته وهجرته وأعماله إلى غير ذلك . 

تلك كانت مقدمة لابد منها في بدء الحديث عن هذا اللبناني الفرنسي الذي يعد نسيج وحده في الأدب العربي، مرت الرواية التاريخية العربية بعدة أطوار حتى وصلت إلى هذا الجيل الذي أجاد اللعب بها إن صح التعبير واستخلاص ما يريد من عبر من تاريخ العرب الحافل بالأتراح والأفراح.
 
جيل يوسف زيدان وأمين معلوف و لاحقًا ربيع جابر و غيرهم من هؤلاء اللذين أسسوا لمصالحة جديدة حقيقية مع التاريخ الذي تناوله باستهانة في البداية جورجي زيدان وعلي أحمد باكثير وحتى عبد الرحمن الشرقاوي الذي ترك لخياله وأهوائه الفكرية العنان في مسرحياته . 

وأقصد هنا بالمصالحة هو احترام المصادر التاريخية والتعامل معها كما ينبغي فأي روائي عربي جاد يتناول التاريخ يدرك إنه يصعب الاعتماد على مصادر معينة كأغاني الأصفهاني مثلا أو مروج الذهب للمسعودي حتى وإن كان يريد أن يترك متنفس لا بأس به لخيال ألف ليلة وليلة المليئة به تلك المصادر ولكن تظل الرواية التاريخية  في رأيي كما هي تحليق للخيال هي أيضًا تأريخ لفترة ما يجب أن تتناول بأمانة وأعرف أن كلامي لن يرضي مشجعي فكرة أتركوا لخيالكم العنان وقدموا التاريخ للمقصلة فالخيال ثم الخيال ثم الخيال هو المنشود .

وحتى لا نطيل في الإسهاب عن الرواية التاريخية العربية وتطورها فلنتحدث عن رواية أمين معلوف الجديدة التائهون التي يقول أمين فى مطلعها انه استلهمها من فترة شبابه بتصرف شديد في الأحداث ولا يخفى على القارئ أن أمين في الرواية هو آدم بطل الرواية صاحب الثنائيات المجهضة المسيحي العربي /العربي الأوروبي/ اللا مؤمن و اللا ملحد / الواقف دومًا في منزلة بين المنزلتين كما وصف نفسه في الرواية .

يسرد علينا معلوف ببساطة وعمق يميزانه دومًا قصة تسع أصدقاء فرقتهم الحرب الأهلية اللبنانية ولبنان هنا في الرواية هو الحاضر الغائب فلم ينطق معلوف باسمه طول الرواية ولكن لا يخفى على أحد أن معلوف يتكلم عن هذا البلد العربي الصغير الذي يدفع دومًا فاتورة خلافات العرب مع بعضهم وخلافاتهم مع الغرب .
يتجمع الأصدقاء بمناسبة وفاة أحدهم وهو الذي كان يمنع فى نفس الوقت تجمعهم لاختلافهم مع سلوك سلكه في فترة الحرب . 

مراد المنشود لدى الصوفيه كما يصفه آدم يموت إثر مرض عضال فيأتي  أصدقاؤه ليتجمعوا مرة أخرى وينشدون هذه المرة مصالحة مع الماضي بكل ما حدث فيه . يأتون من كل فج عميق ليستعرض آدم في أوراقه ما حدث لهم وله خلال أكثر من خمس وعشرين عامًا.

تتنوع ديانات ومذاهب الأصدقاء ولا يبوح معلوف بهوياتهم إلا فى حدود ولكننا نعرفها من إشارات بسيطة فرامز مسلم سني وبلال مسلم شيعي و رمزي مسيحي أرثوذكسي كما أن سميراميس كاثوليكية و وألبير وآدم ومراد وتانيا مسيحيين كذلك  و نعيم يهودي  وهكذا تتضافر الأديان والمذهبيات لتكون لنا هذه الدانتيلا اللبنانية التي في رأيي خرجت قليلا عن نطاق الرهافة المعلوفية المعتادة في رواياته.

لم يعجبني تكديس كل تلك الألوان في علبة واحدة فقد قامت بتشويشي ولم تترك المتنفس اللازم لكل شخصية بمفردها و لا أعرف لم شعرت بيوتوبيا معلوف تنضح من الرواية، صحيح أني لست لبنانية ولم أعش في فترة السبعينات المشهورة بتحررها الفكري ولكن رسم الشخصيات أوحى لي بتواطؤ قلم معلوف مع أمنياته وليس مع ماكان واقع .

تظل حدائق النور وموانىء الشرق من بين كتب معلوف الأكثر تأثيرًا فيَّ بشكل كبير وإن كانت الثانية تلعب على وتر المعايشة الإنسانية الذي لا يمل الكاتب من الحديث حوله وأعذره في ذلك فليس سهلا أن تكون لبناني تركت بلادك بسبب عدم تعايش بضع طوائف جعلوا من بلادهم جحيم مستعر ، ولكن في موانىء الشرق كان العربي مقابل لليهودي إن اعتبرنا الأخيرة قومية ولكن في التائهون عجقة*_ كما يقول اللبنانيين_ هويات وعجقة أفكار تحتاج لتسع روايات وليست رواية واحدة .

اختار معلوف نهاية غير متفائلة على غير عادته في رواياته فلم ينجح الأصدقاء في التلاقي وظل آدم في منزلة بين منزلتي الموت والحياة ، لن ألوم معلوف أبدًا فالمتطلع لحال العرب يدرك أن التفاؤل أصبح درب من الجنون ويحتاج نفس صلبة لم تعد تتوافر لدى كتاب الأدب وقرائه و متذوقيه.
 
*العجقة : الزحمة باللهجة اللبنانية
   معلوف يكتب بالفرنسية ومايأتي إلينا يأتي مترجم